بالمرصاد نيوز – مكتب تونس
بقلم الصحفي بدرالدين الجبنياني
في سابقة خطيرة تُجسّد وقاحة الاحتلال واستهتاره بالقانون الدولي، نفذت القوات الإسرائيلية فجر 9 سبتمبر 2025 عدوانًا سافرًا على العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة مقرًا يُزعم أنه تابع لحركة حماس، ما أسفر عن مقتل خمسة من عناصر الحركة، من بينهم ابن القيادي خالد الحيّة، إضافة إلى عنصر من الأمن القطري.
هذه الغارة الجوية، التي نُفذت على أرض دولة ذات سيادة، تشكل خرقًا فاضحًا لكل المواثيق والأعراف الدولية، وتُعدّ عملاً عدوانيًا يعكس تغوّل إسرائيل المستمر في المنطقة، ومحاولاتها فرض منطق القوة والإرهاب السياسي على حساب الدبلوماسية والسيادة الوطنية.
إرهاب مبرمج واستهداف للوساطة
الهجوم الإسرائيلي لم يكن مجرد “خطأ تقديري” كما حاولت بعض الجهات الغربية تصويره، بل هو رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل لا تقيم وزنًا لأي دولة تحاول لعب دور الوسيط النزيه في الصراع، حتى لو كانت هذه الدولة هي قطر، التي كانت حتى لحظة الاعتداء تقود جهودًا دبلوماسية حساسة لإنقاذ أرواح المدنيين في غزة، ودفع عجلة التهدئة وتبادل الأسرى.
القصف الإسرائيلي على الدوحة لا يمكن فصله عن الدور القطري المتصاعد في الملف الفلسطيني، وهو استهداف مزدوج: جسدي وسياسي، يهدف إلى خنق أي محاولة للتوصل إلى تسوية تُخرج إسرائيل من مستنقع غزة دون “نصر عسكري”، بل عبر الدبلوماسية.
ردود أفعال باهتة… وصمت دولي مخزٍ
قطر، التي دانت الهجوم بشدة، ألغت فوريًا جهود الوساطة، معتبرة أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء. أما ردود الأفعال الدولية، فكانت في معظمها باهتة وغير متناسبة مع حجم الجريمة. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف الهجوم بأنه “انتهاك صارخ”، لكن دون أي إجراء عملي يردع المعتدي أو يضمن عدم تكرار العدوان.
أما الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الأهم، فاكتفت بعبارات باردة مثل “حادثة مؤسفة”، في موقف يعكس مجددًا ازدواجية المعايير التي لطالما سمحت لإسرائيل بالتصرف كقوة فوق القانون، ضاربة بعرض الحائط بسيادة الدول وأمن شعوب المنطقة.
من الذي أعطى إسرائيل الحق في قصف عواصم عربية؟
إن السكوت على هذا العدوان يفتح الباب أمام مرحلة جديدة أكثر خطورة، تصبح فيها أي عاصمة عربية معرضة للاستهداف الإسرائيلي بذريعة “محاربة الإرهاب”، وهو منطق استعماري مرفوض جملة وتفصيلاً. فهل أصبح استهداف المدنيين والمسؤولين داخل حدود الدول المستقلة أمرًا مبررًا؟ ومن الذي خول تل أبيب أن تتصرف كأنها شرطي فوق الإقليمي؟
الاعتداء على قطر… إهانة للسيادة العربية بأسرها
ما جرى في الدوحة ليس مجرد حادث عرضي، بل هو استعراض وقح للقوة، ورسالة احتقار لكل دولة عربية تحاول الحفاظ على استقلال قرارها. وعلى الجامعة العربية والمجتمع الدولي أن يدركا أن استهداف قطر اليوم هو استهداف لأي دولة قد تختلف مع إسرائيل أو تحاول لعب دور مستقل في النزاع القائم.
ما لم يكن هناك ردّ عربي ودولي حازم، فإن هذا العدوان قد يكون مقدمة لمزيد من المغامرات الإسرائيلية المتهورة، التي تهدد استقرار المنطقة بأسرها.