الرئيسية / جهات و حوادث مرور / المؤونة وطرق تخزينها في التراث التونسي وشمال إفريقيا.

المؤونة وطرق تخزينها في التراث التونسي وشمال إفريقيا.

بالمرصاد نيوز – صفاقس

 

بقلم مجمد جمال الشرفي

تُعد المؤونة أحد أهم ركائز الحياة البشرية منذ القدم، إذ تمثل ضمانًا للأمن الغذائي ومصدرًا للاستقرار في مواجهة تقلبات الطبيعة أو أوقات الشدة. وقد عرف الإنسان منذ العصور القديمة أهمية تخزين المواد الغذائية بطرق تحفظها من التلف، فابتكر أساليب متنوعة تواكب بيئته ومناخه وموارده المتاحة.

جذور تاريخية عريقة

في منطقة شمال إفريقيا، وخاصة في تونس، تمتد جذور تقاليد تخزين المؤونة إلى أعماق التاريخ، حيث تتقاطع فيها الحضارات القَبْسِيّة والرومانية والفينيقية والأمازيغية (البربرية)، التي خلّفت جميعها آثارًا في طرق العيش والغذاء والتخزين.

لقد كان الإنسان التونسي القديم يدرك أهمية المحافظة على ما يجود به الموسم من غلال وزيوت وحبوب، فاعتمد على الطبيعة في توفير أفضل الظروف لحفظها.

 

طرق التخزين التقليدية:

كانت الأواني المصنوعة من الطين تحتلّ مكانة مركزية في عملية التخزين، لما تتميز به من قدرة على حفظ درجة الحرارة والرطوبة. وغالبًا ما كانت هذه الأواني تُخزّن في أماكن باردة ورطبة، كالأقبية أو الكهوف المحفورة تحت المنازل، خصوصًا في المناطق الجبلية والصحراوية من الجنوب التونسي.

وفي المدن العتيقة مثل صفاقس، لا تزال بعض المنازل القديمة تحتفظ بهذه الأقبية التي كانت تُستخدم لتخزين المؤونة، في مشهد يعكس عبقرية العمارة التقليدية وتكاملها مع الحاجات اليومية.

أنواع المواد المخزّنة:

من أبرز المواد التي كانت تُخزّن:

الحمص، الفول، القمح، الشعير، وزيت الزيتون، وهي مكونات أساسية في المطبخ التونسي والعربي عمومًا.

وكانت تُخزَّن إمّا بشكلها الخام، أو تُحوّل إلى منتجات استهلاكية نصف جاهزة تسهّل الطبخ والاستهلاك، مثل الكسكسي، الملثوث، البرغل، وغيرها من المأكولات التقليدية التي تعبّر عن روح التضامن والتدبير في المجتمع.

دلالات ثقافية وحضارية:

لا تقتصر أهمية هذه الممارسات على الجانب المادي فحسب، بل تحمل دلالات ثقافية عميقة، فهي تعكس وعي الإنسان القديم بالاستدامة والاقتصاد في الموارد، كما تعبّر عن روح التعاون الأسري والمجتمعي، إذ كانت عملية إعداد المؤونة تتم جماعيًا بمشاركة النساء والرجال وحتى الأطفال.

استمرارية التراث:

ورغم تغيّر أنماط العيش الحديثة، لا تزال هذه العادات حاضرة في بعض المناطق التونسية، حيث تحتفظ العائلات بأساليبها التقليدية في التخزين، سواء كضرورة اقتصادية أو كرمز للهوية والانتماء.

إنّ استمرارية عادات تخزين المؤونة في تونس وشمال إفريقيا تكشف عن عمق العلاقة بين الإنسان وبيئته، وتبرهن على أنّ الحلول التقليدية يمكن أن تلهمنا في مواجهة تحديات الأمن الغذائي اليوم. فبين الطين والزيت والقمح قصة إنسانية عمرها آلاف السنين، تُعيد إلينا معنى البساطة والحكمة في تدبير الموارد.

عن Baha

شاهد أيضاً

عولة صفاقس: حين كانت العائلة مصنعا للفرح والغذاء.

  بالمرصاد نيوز – صفاقس   بقلم محمد جمال الشرفي في قلب مدينة صفاقس، وبين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *