الرئيسية / وطنية / حول حرب بنزرت 1963.. تهميش للذاكرة ؟.. ام عدم اعتبار للتاريخ ؟..

حول حرب بنزرت 1963.. تهميش للذاكرة ؟.. ام عدم اعتبار للتاريخ ؟..

بقلم الإعلامي الحبيب العربي

ذكرى حرب بنزرت، 19 جويليه 1963، مرّت بلا حديث عنها.. ولا تذكّر.. ولا ذكر لأبطالها، الشهداء منهم والأحياء.. في فرنسا مثلا، كلما حلت ذكرى حرب خاضتها قولتهم العسكرية، إلا وتقام مراسم إحيائها في الساحات العمومية بتكريم الأحياء من الجنود والضباط الذين شاركوا فيها.. وعندنا، في كل عام، تمرّ ذكرى حرب الثلاثة أيام مرور الكرام.. بلا تعليق للعلم التونسي في الطريق العام ولا رفعه في ساحة عامة ولا احتفالات وندوات تَذَكّر.. البنزرتيه الذين هم من جيل الخمسينيات وما قبلها بعقود قليلة عاشوا مأساة الحرب في أبشع صورها.. الجيش الفرنسي واجه المتطوّعين العُزل من ابنائنا الذي توافدوا على مدينة بنزرت تلبية لنداء المصلحة العليا للوطن.. واجههم بالدبابات والطائرات والمدرعات.. يقتلهم أينما كانوا وهم في معظم الحالات مرابطون في اماكن اختبائهم لمنع تقدم الجيش الغاصب نحوهم ونحو السكان في المدينه العربي والمرسى القديم وحومة الشّرفه وغيرها.. جيش البارا-para غزا المدينة بدبّاباته وشاحناته العسكرية وبعتاده الثقيل يطلق النار على البنايات والمنازل حتى صارت واجهاتها كما لو أنها مصابة بداء الجدري.. في زرزونه، كان سني آنذاك ثماني سنوات وكنت ارى جيش المظلّيين يخرجون من ثكنة “الشَّعره” بمنزل عبد الرحمان ويقتحمون أحياء العيون ووزينة الرصاص والكالتوس وحومة الرمل وحومة الدّروج ولحواش والمزّوط.. يقتحمون المنازل بحثا عن الرجال التونسيين.. وكلما وجدوا أحدهم اقتادوه إلى ساحة حيث مدرّعاتهم بمدافعها.. النساء والأطفال حدّث عن خوفهم وهلعهم ولا حرج.. كان جيش المستعمر يخلع الباب الخارجي لكل منزل بالقوة.. يدخلون على النساء والأطفال ليفتّشوا البيوت.. وكلما وجدوا ذهبا أو مالا وأشياء ثمينة أخرى يحملونها معهم.. إما إذا وجدوا سلاحا مهما كان نوعه، حتى لو كان بندقية صيد، كل الأسرة تقاد إلى الساحة للبحث معها.. في الساحة هناك تراهم يغرون الأطفال بالحلوى والشوكولاطه. ونحن صغار السنوات القليلة نوصي بعضنا البعض بألاّ نأخذ منهم شيئا بدعوى أن كل ما يقدّمونه لنا إنما هو مسموم للقضاء علينا.. أكثر من هذا، نحن الصغار،

نحمل في ايدينا مسطرة المدرسة، double décimètre، ونهجم على دباباتهم نضربها بها وهم يتفرّجون علينا ويضحكون.. في الضفة الشمالية من بحيرة بنزرت، كنا نرى الطائرات الحربية B-26 تقلع من المطار العسكري بسيدي أحمد.. تحلق في الجو.. ثم تهوي بقنابلها على مرابطينا من الجيش والحرس الوطني وللمتطوّعين بلا سلاح.. في قلب مدينة بنزرت، كانوا يقتلون المدنيين من كل زاوية وكانت جثث المستشهدين ملقاة بين الأنهج والأزقة والممرات.. وما إن توقفت الحرب بعد ثلاثة أيام حتى هرع المواطنون التونسيون، أحرار سكان بنزرت، لجمع الجثث رغم حالة التعفن التي صارت عليها ودفنها في مقبرة العِين حاملين عياها فوق اذرعهماو على العربات الخشبية.. كل هذا وأكثر بكثير حدث في مدينة بنزرت وفي ما جاورها من المناطق في بنزرت الجنولدبية، في قلب المدينة، في زرزونه، في منزل عبد الرحمان ومنزل جميل والعزيب وغيرها.. وكل هذا طمسته ظاهرة عدم تذكّره في كل عام وعدم إيلائة السلطة الرسمية القدر اللازم من العناية والإهتمام.. فقط هي بعض الجمعيات المدنية تكفلت بإحياء الحدث باحتشام كبير.. التلفزة الوطنية لا تذكر حرب بنزرت إلا من خلال أشرطة قصيرة وثائقية معظمها قديم يلوكونه في كل صائفة.. بل أننا نرى السلطة تعطي الأهمية الأكبر لذكرى جلاء آخر جندي مستعمر عن بلادنا يوم 15 أكتوبر 1963.. بما جعل الجميع من الأجيال الني جاءت بعد الستينيات يحفظون عن بنزرت انتصارنا بمغادرة فرنسا لكل قواعدها في بنزرت، آخر مغقل لهم في بلادنا، ولا يعرفون شيئا عن مأساة بنزرت والدمار الذي لحقها من وراء حرب الثلاثة ايام.. وكل مؤرّخينا وأساتذتنا الذين يظهرون في بعض المنابر، على قلّتها، لديهم خلط في حديثهم بين حرب أو حوادث بنزرت وبين الجلاء الذي كان يوم 15 أكتوبر 63 والذي احتفل به الزعيم بورقيبه يوم 15 ديسمبر 63 بحضور رئيس مصر جمال عبد الناصر، رئيس الجزائر احمد بن بلّه، ولي العهد في ليبيا، السنوسي وولي العهد في المغرب.. أذكر كل هذا وأتألم في كل عام يحل فيها يوم 19 جويليه.. وعزائي في كل ما ذكرت وما اذكر من معاناة شعبنا في تلك الحرب أنني شاركت في سنة 1977 في مسابقة ادبية نظمتها اللجنة الثقافية الجهوية ببنزرت، بدار الثقافة الشيخ ادريس، شاركت بقصة قصيرة عنوانها “أحلام الذكرى الأولى” وانا اروي فيها قصة حب طفل لتونس من خلال تعلقه بوالده المرحوم المناضل الوطني الكبير الذي كانت في غرفته الخاصة خزانة صغيرة لا يفتحها إلا هو، أي الوالد، وكان الطفل شديد الشغف بمعرفة محتوى تلك الخزانة.. ويوم توفي والده، فتحها ليجد فيها خطابات متبادلة بين أبيه وقادة الحركة الوطنية التي كان يتزعمها بورقيبه.. وجد صورا عن حوادث بنزرت وعن جلاء الجندي المستعمر عن بنزرت على متن بوارجه البحرية الضخمة انطلاقا من المنطقة العسكرية البحرية بالمصيَده وعبر قنال بنزرت الذي صار يتوسطه في سنة 1980 جسر “الحبيب” المتحرّك.. في تلك المسابقة، انا فزت بالجائزة الأولى في القصة القصيرة بالتساوي مع مشاركة أخرى اسمها نوره العربي، ليس اي بها أي قرابة، وقد كانت الجائزة صكا يريديا بقيمة 30د ومجموعة من الكتب تسلمتها من اللجنة المنظمة في حفل مشهود بدار الثقافة ببنزرت.. للأسف لا أملك لي اي صورة تخلد الحدث.. كنا صغارا وكنا لا نعير أهمية كبيرة بالصورة والتوثيق..

عن Baha

شاهد أيضاً

صوت الشرق يصافح جمهوره من خلال سهرة طربية بأمتياز.

الفنان نور مهنى مكتب تونس بقلم الصحفية سامية الزواغي برهن الفنان السوري نور مهنا أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *