الرئيسية / وطنية / عيد الجلاء في تونس: حين تنتصر الذاكرة على النسيان.

عيد الجلاء في تونس: حين تنتصر الذاكرة على النسيان.

بالمرصاد نيوز – تونس

 

بقلم الصحفي بدرالدين الجبنياني

اليوم، كما في كل سنة، يقف التونسيون وقفة فخر واعتزاز بتاريخهم المجيد، ويُحيون ذكرى عيد الجلاء، هذا الحدث الوطني الذي يُجسّد تتويجًا لسنوات طويلة من النضال والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، ويُعيد إلى الأذهان صفحة مشرقة من نضالات وطن لم يرضَ إلا بالحرية والاستقلال.

في 15 أكتوبر 1963، غادر آخر جندي فرنسي الأراضي التونسية من مدينة بنزرت، ليُسدل الستار على مرحلة مريرة من الاستعمار بدأت منذ 12 ماي 1881، تاريخ فرض الحماية الفرنسية على البلاد. لكن الذاكرة الوطنية لا تحتفل بهذا اليوم باعتباره فقط نهاية احتلال، بل تراه لحظة انتصار لإرادة شعب، ومعركة كرامة قادها رجال آمنوا بتونس حرة، سيدة على أرضها وقرارها.

بورقيبة… المجاهد الأكبر وصانع الجلاء

في قلب هذه الملحمة، يبرز اسم الزعيم الحبيب بورقيبة، رمز التحرر الوطني وأحد أبرز مهندسي استقلال تونس. لم يكن بورقيبة رجلاً سياسياً فحسب، بل كان صوتاً للحرية، ومعلّماً في الوطنية، وبطلاً آمن بأن السيادة لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الكرامة لا تُساوم.

قاد بورقيبة تونس إلى الاستقلال الداخلي يوم 20 مارس 1956، لكنه رفض أن يرضى بنصف حرية، فكانت معركة الجلاء امتدادًا لمشروع وطني أكبر: استكمال السيادة على كامل التراب الوطني. لم تثنه الضغوط ولا تهديدات القوى العظمى عن المطالبة الصارمة بخروج القوات الفرنسية من بنزرت، تلك المدينة ذات الموقع الاستراتيجي التي أصرّت فرنسا على الاحتفاظ بها كموقع عسكري.

 

بنزرت… المدينة التي حسمت المعركة

انطلقت شرارة معركة الجلاء سنة 1958، إثر اعتداء فرنسي سافر على قرية سيدي أحمد، فكان الرد التونسي عنيفاً سياسياً وشعبياً. تصاعدت التوترات إلى أن اندلعت المواجهات في جويلية 1961، ودفعت تونس ضريبة الاستقلال دمًا، حين سقط العشرات من الشهداء والجرحى دفاعًا عن السيادة الوطنية.

 

وبرغم قسوة المواجهة، انتصرت الإرادة التونسية، واضطرت فرنسا في النهاية إلى سحب آخر جندي من بنزرت في 15 أكتوبر 1963. غادر القائد الفرنسي ميناء بنزرت، وخرجت تونس من حقبة الاستعمار إلى ضوء الاستقلال الكامل، لتُعلن ذاتها “مستقلة أبد الدهر“.

عيد يتجدد… وذاكرة لا تموت

عيد الجلاء ليس مجرد ذكرى؛ بل هو درس خالد في أن الشعوب التي تؤمن بحقها في الحرية لا تهزم. إنه مناسبة لتذكير الأجيال الجديدة بأن الاستقلال لم يكن منحة، بل نتاج تضحيات جسام خاضها رجال ونساء آمنوا بأن الوطن أغلى من الحياة.

وإذا كان جيل الأمس قد حرّر الأرض من المستعمر، فإن جيل اليوم مطالب بتحرير البلاد من أعداء الداخل: من الفساد المستشري الذي ينخر مؤسسات الدولة، ويهدر ثروات الشعب، ويُمعن في إفقار المواطن التونسي الحرّ والأصيل. لقد سئم التونسي من الذين لا ضمير لهم، ولا حبّ في قلوبهم لهذا الوطن، أولئك الذين جعلوا من المصلحة الخاصة قانونهم الوحيد. لكن، كما انتصرت تونس بالأمس، فإنها قادرة اليوم، بوعي أبنائها وتكاتفهم، أن تخرج من أزمتها، وتستعيد مسارها نحو البناء، والإصلاح، والعدل.

من ذاكرة النضال… إلى معركة المستقبل

تونس اليوم، في عام 2025، تحتفل بعيد الجلاء وهي تواجه تحديات مختلفة، لكنها تظل مدينة إلى دماء الشهداء، وعزيمة الزعماء، وعلى رأسهم الحبيب بورقيبة، الذي نذر حياته من أجل أن تكون تونس كما هي اليوم: حرة، مستقلة، مرفوعة الرأس.وإن كان الجلاء قد تحقق في 1963، فإن معركة البناء ما تزال مستمرة. فلتكن ذكرى الجلاء وقوداً للأمل، ومصدر إلهامٍ لصناعة مستقبل يليق بتاريخ هذا الوطن العظيم.

عن Baha

شاهد أيضاً

اصدارات: كتاب”أيام في بالي”لمحمد الماطري صميدة رحلة ثقافية وسياحية بعيون تونسية لأندونيسيا الساحرة.

ذ بالمرصاد نيوز – تونس    بقلم الإعلامي منصف كريمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *