المعاملة الحسنة للمُسن.. كنز لا يُقدّر بثمن..
Baha
يونيو 17, 2024
مجتمع
387 زيارة
متابعة الإعلامي الحبيب العربي
الحكاية الثالثة في سلسلتنا الجديدة “حكاية من فيسبوك الغرب” تابعوها وعلقوا بما تشاؤون.. حكاية من غرب مجتمع الفايسبوك.. الحلقة الثالثة.. الإثنين 17 جوان 2024.. سلسلة من الحلقات أقترحها عليكم من حين لآخر كي نسلّط الضوء على بعض نمط المجتمع الغربي ونستخلص من بعض سلوكه العبرة.. حلقة اليوم بعنوان : المعاملة الحسنة للمُسن.. كنز لا يُقدّر بثمن.. القصة اليوم فيها عبرة.. دون حاجة لنا للبحث في اللون والشكل و الديانة.
وأصل الفكرة.. في إحدى المدن الألمانية حدثت أطوار الحكاية.. بطلتها فتاة فقيرة تعمل نادلة في مطعم.. هي شابة لا يزيد سنها عن الثلاثين.. تربّت ببن عائلة تحترم الكبير وتقدّس المعاملة الحسنة للجميع.. من يقابلها بلطف تكون له عبدا. ومن يكون معها فظا غليظ القلب لا تعامله بمثل ما يأتيه من فعل معها، بل تسمع وتعتبر نفسها لم تسمع.. ترى الفعل الدوني وتنسى انها رأت ما لايرضيها.. هكذا هي بطلة قصة اليوم.. بل لنقل أن مع بطلتنا في ثصة اليوم، بطلا آخر.. شيخ ناهز الثمانين من العمر.. جاف في تعامله مع كل الناس.. وحاد في عباراته وتعابيره.. بدأت الحكاية عندما تم لنتداب البنت الفقيرة نادلة في مطعم رفيع المستوى. ومن يومها الأول، سعد زملاؤها بانضمامها إليهم وقالوا لها : يا إيلينا، منذ هذا اليوم، نعوّل عليك في خدمة احد الزبائن الذي اعيانا وأتعبنا جميعا بمعاملته السيئة لنا.. فهو يأتينا كل يوم في منتصف النهار بالضبط لتناول الغداء.. وبقدر ما نكون نحن معه طيبين، بقدر ما هو عنيد ولا يرضيه أي شيء نقدمه له.. دائما هو محتج علينا وعلى نوعية الأكل الذي نقدمه له.. هو باختصار، بعتبرنا خدما في بيته أو مزرعته.. وكلما حاولنا إرضاءه بكلمة زاد في إمعانه في إهانتنا حتى أننا صرنا نفكر بإبلاغ صاحب المطعم بأمره وبعدها سنعمل على طرده.. مباشرة ردت عليهم قائلة : – دعوه لي.. أشيروا عليّ به عند قدومه وسأعمل على كسب ودّه ورضاه.. ثم ظلت تعمل وتتجول بين طاولات الحرفاء. حتى قالوا لها : – هو ذا قد دخل واستقل الطاولة رقم 36.. قالت : – حسنا.. سأرى طلباته.. ثم توجهت البه بسرعة.. – سيدي الحريف، تفضل.. من هذه اللحظة اعتبرني ابنتك.. أتت تطلب وتأمر وأنا ألبي وأنفّذ.. قال : – لا حاجة لي بابنة.. أريدك فقط نادلا يناولني ما أطلب بالوقت ولا يجادلني في ما اريد او أطلب.. اذهبي الآن وهاتي لي حالا كذا من الطعام وكذا من الشراب، وإياك أن يكون طعامكم زائد ملح او قليله جدا.. قالت : – حاضر با سيدي، حالا يأتيك ما تريد.. وما هي ألا دقائق حتى عادت إليه محملة بطلباته.. وضعتها جميعا أمامه بشيء من الأناقة ثم قالت : – كل هنيئا واشرب مريئا يا سيدي..
اكل سريعا ودون إضاعة وقت.. ثم نادى عليها بشيء من الحنق : – ارفعي من امامي هذا الأكل وهاتي لي الشراب الذي طلبت فورا.. قالت : – لحظات ويكون شرابك بين يديك.. ثم غابت من أمام ناظريه وعادت بطبق الشراب المطلوب.. لم يشكرها على صنيعها.. وحين هب بالمغادرة، قصد “الكاسه“.. دفع ما عليه أن يدفع ثم انسحب.. ومن الغد نفس السيناريو.. هو يطلب منها ما يريد بكل جفاء.. وهي توفّر له دون سماع ولو كلمة استحسان منه مرة واحدة.. أسبوع بعد أسبوع.. شهر يتلوه شهر.. وعام وراءه عام ثان.. والمشهد يتكرر.. سألت زملاءها عساها تعرف عنه بعض ما خفي عنها فقالوا لها أنه عسكري قديم يعاني من عقدة الإكتئاب بسبب ما عاشه من صدمات نفسانية في الحروب التي شارك فبها في بعض بلدان العالم.. هو غير متزوّج. وأهله ميّتون.. وهو حاليا مقطوع من شجرة.. رق قلبها لحاله.. وظلت تخدمه في كل كبيرة وصغيرة يشتهيها.. إلى حين تفاجئها بغيابه يوما.. ويومين.. أسبوعا بحاله.. وأسبوعين.. وبعد شهرين كاملين من الغياب جاءها للمطعم رجل أنيق يحمل محفظة اوراق.. سأل عنها.. فدلّوه عليها.. قصدها.. ومباشرة دعاها لتزوره في اليوم الموالي في مكتبه قائلا لها : – انا محامي السيد جوزيف الحريف الدائم في مطعمكم وقد ترك لك أمانة عندي تتسلمينها غدا حين تزورينني في المكتب على عنواني المذكور.. قالت : – حاضر.. وارجو ان يكون هو بخير.. لم يرد عليها.. هو غادر المطعم وهي قضت يومها وكامل ليلتها تتساءل فيما بينها عن أمر هذا الرجل الذي جاءها على حين غفلة وعن كُنه وسر الأمانة المتروكة لها.. من الغد، وفي الموعد المحدد، كانت في المكتب.. هناك،، ناولها محامي الحريف ظرفا مغلقا عاديا وظرفا آخر مغلقا كذلك وحافظة متوسّطة الحجم وقال لها : – افتحيها جميعا أمامي وبعدها ستمضين لي على وثيقة التسلّم.. وفي الحين فتحت الظرف الضخم اولا.. فوجدت به حزمة هائلة من اليوروات بقيمة خمسين ألف يورو.. نظرت.. تمعّنت.. ثم قالت : هذا المبلغ كله لي ؟.. لماذا أنا ؟.. وما السر في أمر هذه الأموال ؟.. قطع الرجل الموكَّل حديثها وقال لها : – هذا منحة من المرحوم إليك.. ومازالت رسالة أخرى ثم هذا الصندوق الأنيق.. مرّت مباشرة إلى الصندوق.. فتحته بتأنٍّ.. ثم نظرت ما بداخله.. جواهر من أعلى طراز.. ذات الوان وأشكال مختلفة.. مصحوبة بورقة كُتب عليها “كل مدخراتي من المال والمصوغ أهديها إليك بعد مماتي لأنك المرأة الوحيدة التي تحمّلتني بكل ما فيّ من تعقيدات والبنت الوحيدة التي تمنيت لو انك كنت ابنتي.. قرأت ثم اغرورقت عيناها بالدموع.. التفتت الى المحامي وقالت : وماذا عن هذا الظرف الآخر ؟.. قال : – افتحيه وستعرفين ما يحتويه.. وبيدين مرتعشتين، فتحت الظرف العادي.. فإذا به ورقة محرّرة بخط اليد وفي اسفلها ممضاة.. ومُعرّف بإمضائها في المصالح الرسمية.. الورقة تحمل عنوان “وصِية“.. بدأت في قراءتها في صمت فطلب منها ان تقرأها بصوت عال بعض الشيء.. فعلت.. فوجدت
الرجل العسكري الغامض في حياته والميّت دون أن يحضر جنازته أحد.. وجدته يقول من بين ما يقول : “لأنني رجل أفنى عمره في الحروب دفاعا عن راية بلادي، دولة المانيا العظيمة.. لأنني رجل لم أعرف من الحب إلا حب وطني.. لأنني رجل بلا أسرة ولا عائلة موسّعة.. لأنني بعد إحالتي على المعاش لم يقبلني المجتمع المدني بعد أن كنت معززا في الثكنة.. ولأنني في سنتيّ الأخيرتين من عمري لم أجد من تفهمني وتسمعني وتلبي كل طلباتي ضحوكة بشوشة.. إلا أنت أيتها الفتاة التي تعمل بالمطعم وتدعى إيلينا.. أنت، وددت لأنني عرفتك منذ صغرك.. وصغري ايضا.. لأتبنّاك وأوفر لك كل أسباب العيش المرفه بما لا يجعلك نادلة في مطعم وعرضة لكل مشاكسات الجميع.. لكل هذا أنا اوصي بكل ما املك من عقارات ومتاع بما في ذلك مالي وجراية تقاعدي ومجوهراتي كلها.. هبة لك وحدك ودون أن ينازعك فيها بعدي أحد“.. ثم ختمت قراءتها بما كتب : “القيمة الجملية لعقاراتي تُقدّر بمائة ألف يورو“.. انتهت من القرا،ة.. والتزمت الصمت.. وعيناها شبه جاحظتين من شدة الدهشة.. قال لها موكّل العسكري الراحل : – إذن، ما تعليقك ؟ أجابت بالإشارة لأنها فقدت صوتها.. وهي ترتعش من هول المفاجأة.. قال : – ألهذا الحد انت مندهشة مما تركه لك الراحل ؟.. قالت بصوت خافت : خذني إلى طبيبي وبعدها أحدثك.. أخذها سريعا الى الطييب.. وهناك، استعادت حيويتها وقالت للموكل الأمين : – ما ادهشني وجمّد الدم في عروقي حتى فقدت صوتي هو تقديره لسلوكي الرصين معه واعتباره له منّة مني عليه والحال أنني تصرفت معه كما تتصرف كل امرأة ابنة أسرة فقيرة لا تنتظر من وراء شغلها إلا الأجر بالمال القليل من مشغلها فحسب.. ثم ختمن بقولها : “رحم الله الراحل والهمني القدرة على حسن التصرف في ما تركه لي..