بعد عقود من الإهمال والركود، استعادت ساحة منجي بالي في قلب العاصمة التونسية روحها وجمالها، عقب عملية إعادة تهيئة شاملة شملت النصب التذكاري للقائد العام للكشافة التونسية الراحل المنجي بالي، أحد رموز العمل الكشفي الوطني. هذه الساحة التي ظلت لفترات طويلة في وضعية مزرية، تحولت اليوم إلى فضاء حضاري نابض بالحياة، وُلد من جديد بفضل سواعد وطنية صرفة، قادها مهندسون وكفاءات تونسية من المؤسسة العسكرية، في تجسيد فعلي لقيمة العمل المشترك بين مؤسسات الدولة من أجل الصالح العام.
نافورات أنيقة ومقاعد مدروسة… وجمالية متناغمة
المارة والعائلات ورواد وسط العاصمة يلاحظون التحول اللافت الذي شهدته الساحة. نافورات مياه مطلية بألوان موحدة، تنبعث منها روح فنية تبعث على الراحة والسكينة، ومقاعد إسمنتية مريحة تم تشييدها وفق تصميم مدروس يُراعي جمالية المكان ومتطلبات الراحة. كل ذلك وسط تنسيق نباتي وهندسي يُعطي الساحة طابعًا عصريًا دون أن يمسّ برمزيتها التاريخية.
من الإنجاز إلى المسؤولية: من يعتني؟ ومن يُحاسب؟
لكن، وبقدر ما أثلجت هذه المبادرة صدور المواطنين، فإنها تضعنا كإعلاميين، ومعنا كل الغيورين على مصلحة البلاد، أمام مسؤولية اليقظة والمساءلة.
فما نخشاه، وهو ما يجب أن لا يحدث بأي حال، هو أن تتحول هذه الساحة مجددًا إلى بؤرة أوساخ ونفايات بلاستيكية تُلقى عشوائيًا، أو أن تُستباح من طرف بعض المتهورين، أو أن تتراكم فيها مظاهر الإهمال يوما بعد يوم، كما هو حال العديد من الفضاءات العامة التي وُلدت من رحم الجهد ثم ماتت تحت وطأة اللا مبالاة.
إن المحافظة على هذا الفضاء هي مسؤولية جماعية، تبدأ من ثقافة المواطن ووعيه بقيمة المكاسب الحضرية، ولا تنتهي عند حدود بلدية تونس بصفتها الهيكل الرسمي المكلّف بالإشراف على الساحة، والتي نُوجه لها الدعوة من منبرنا هذا إلى اعتماد آلية صيانة يومية منتظمة، ومراقبة مستمرة للفضاء، مع تسخير فرق تدخل سريع عند الحاجة.
العين بالمرصاد… والعقوبات ضرورة
ونُطالب في ذات السياق السلط المعنية بتطبيق القانون بكل صرامة، وتسليط عقوبات ردعية على كل من تُسول له نفسه الإضرار بهذا الفضاء العام، سواء برمي النفايات أو إتلاف الممتلكات، فالحفاظ على المكسب لا يقل أهمية عن إنجازه.
كما نُهيب بالمجتمع المدني أن يلعب دوره في نشر الوعي السلوكي والتربوي، لا سيما في صفوف الشباب ومرتادي الفضاءات العامة، من خلال حملات توعوية مستمرة.
كلمة أخيرة…
ساحة المنجي بالي اليوم، ليست فقط فضاءً جميلاً للتنزه أو الاستراحة، بل هي شهادة حيّة على ما يمكن أن تُنجزه الإرادة الوطنية حين تتكاتف الجهود، وعلى ما يمكن أن نخسره إن تخلّينا عن حسّ المواطنة.
فلنحافظ على هذا الإنجاز… لأنه ليس ملك الدولة فقط، بل هو مرآة صورة تونس، وصورة كل واحد منا.