بالمرصاد نيوز – صفاقس
بقلم الإعلامي جمال الشرفي
أعلنت السلطات عن تخصيص 40 مليون دينار لتمويل موسم الزيتون الحالي، في خطوة يفترض أن تساهم في دعم الفلاحين وتمويل عمليات الجني والعصر والتخزين. غير أن هذا الرقم، عند التمحيص فيه، يبدو بعيدًا كل البعد عن تلبية حاجيات القطاع، بل ويكشف عن فجوة مقلقة بين الخطاب الرسمي وواقع الفلاحة الزيتونية في البلاد.
تمويل هزيل أمام قطاع ضخم
تعدّ تونس (أو يمكن تكييف النص حسب البلد) من بين أبرز منتجي زيت الزيتون في العالم، حيث يصل الإنتاج في المواسم الجيدة إلى أكثر من 200 ألف طن من الزيت. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن سعر الكلفة لطن واحد من الزيت يفوق 13 ألف دينار تقريبًا (بين الجني والعصر والنقل والتخزين)، فإن مبلغ 40 مليون دينار لا يكفي سوى لتغطية حوالي 3 آلاف طن من الزيت — أي أقل من 2% من الإنتاج الوطني في أفضل الحالات.
بكلمات بسيطة: التمويل المعلن لا يغيّر شيئًا في المعادلة الاقتصادية للقطاع.
رسالة سلبية للفلاحين
يرى كثير من الفلاحين أن هذا المبلغ لا يترجم الاعتراف الحقيقي بقيمة قطاع الزيتون في الاقتصاد الوطني، خاصة وأن الموسم الحالي يواجه تحديات مضاعفة:
نقص اليد العاملة وارتفاع كلفتها.
تقلبات مناخية أثرت على الغلال.
صعوبات في التسويق الداخلي والخارجي.
بالتالي، فإن هذا التمويل الهزيل لا يقدّم سوى دعم رمزي في وقت يتطلّب فيه القطاع سياسة دعم هيكلية ومستمرة، تشمل التمويل والتجديد الزراعي والترويج الخارجي.
مطلوب: رؤية لا مجرد أرقام
بدل الحديث عن عشرات الملايين، يحتاج القطاع إلى رؤية وطنية واضحة ترتكز على:
1. إصلاح منظومة التمويل الفلاحي لتكون مرنة وموجهة حسب الإنتاج.
2. تشجيع التحويل والتعليب المحلي لرفع القيمة المضافة.
3. تحسين البنية التحتية والتخزين والتصدير.
4. إرساء آلية تسعير عادلة تضمن للفلاح دخلاً مستقرًا.
فزيت الزيتون ليس مجرد منتوج فلاحي، بل ثروة وطنية تمس آلاف العائلات وموردًا رئيسيًا للعملة الصعبة.
خلاصة
40 مليون دينار قد تبدو رقمًا لافتًا في التصريحات الرسمية، لكنها في الواقع رقم صغير يثير الحيرة أكثر مما يبعث على الارتياح.
في بلد يعيش على وقع الأزمات الاقتصادية، الاستثمار في الزيتون ليس ترفًا بل ضرورة استراتيجية. أما استمرار التعامل مع القطاع بهذا الحجم من “الرمزية المالية”، فهو بالفعل — كما قال البعض — “شيء يحشم”.