مكتب بنزرت

بقلم الإعلامي الحبيب العربي
فجأة سقط السّور…
تهاوى السّور..
وتحت أنقاضه مات ثلاثة من أبنائنا في عز الشباب..
ماتوا وهم في ريعان الشباب..
ماتوا وهم يدرسون..
لم ينهوا دراستهم..
لم ينجحوا في الباكالوريا.. ولم يمرّوا إلى التعليم العالي..
ماتوا قبل أن يفرحوا بحياتهم ودون أن يفرح بهم آباؤهم..
ماتوا ولم يكن لهم من ذنب سوى انهم انتموا لمعهدهم الثانوي..
دخلوه ذات يوم من الأسبوع الماضي وجلسوا متكئين الى جدار السور الخارجي فسقط عليهم فجأة فأرداهم قتلى رحمهم الله..
وجرحى مصدومين نفسانيا..
ماتوا.. وجُرحوا.. وانصدموا.. وتركوا في نفوس أوليائهم اللوعة والأسى والحزن والألم والحسرة..
وفي كل ما حدث لهم جميعا مصيبة..
وأيّ مصيبة !!..
مصيبتهم جعلت بعض الأصوات ترتفع لتندّد.. وتنظّر.. وتحمّل الدّولة ومسؤوليها تبعات كل ما حدث..
ارتفعت أصوات المتربّصين بالجميع لتقول أن إدارة المعهد قد قصّرت حين تركت السّور بلا صيانة حتى تهاوى فوق رؤوس التلاميذ الضحايا..
ارتفعت الأصوات لتقول أن مندوبية التعليم في المدينة والولاية التي جدّت بها الحادثة المأساوية قد قصّرت في حق المعهد الذي شهد واقعة الحادثة الاليمة..
بل إنّ المنظّرين في الحادثة قد ذهبوا للقول أن وزير التربية لابد له ان يرحل لأنه المسؤول الأول عمّاحديث..
بل ذهبوا أيضا للقول أن رئيس الحكومة الحالي لا بد له أن يحاسَب لأنه لم يتابع شأن المواطن في ربوع ولاية سيدي بوزيد عامة وفي معتمدية المزّونه تحديدا..
المعلّقون غير سليمي المقاصد سيّسوا الحادثة وحاولوا أن يجعلوا منها قضية شعبية ذات ابعاد
سياسية الهدف منها المسّ من سياسة رئيس الدولة باعتباره الراعي الأول لمصلحة المواطن التونسي أينما كان..
النقابة المهنية ذات النظر تكلّمت هي الأخرى وقالت ما قالت من تحميل المسؤولية لمدير المعهد ولمندوب التربية في ولاية سيدي بوزيد وللحكومة الحاكمة عامة..
إنها الحادثة التي جعلت كل طرف له خلفية غير ذات صلة بالمعهد يظهر على الساحة.. يصعد المنصّة.. ويخطب في من يسمعونه مستعرضا بطولاته في نقد المسؤولين القائمين على مصالح الشعب بكل فئاته العمرية…
تكلموا..
بل هم سارعوا بالتكلّم من قبل حتى أن يبحثوا ويدقّقوا جيدا في الأمر..
كثيرون منهم “ودّروا” مدير المعهد بتحميله مسؤولية انهيار السور وتهاويه فزق رؤوس الضحايا..
قما رأيهم الآن بعد أن وقع تسريب نسختين من مراسلتي المدير نفسه للمندوب الجهوي للتربية في الولاية المعنية يقول له في الأولى سنة 2022 أن جدار سور المعهد يتطلب تدخلا عاجلا بالصيانة لأن به تشققات كثيرة..
ثم يقول في مراسلة أخرى له صدرت منه إلى المندوب أيضا سنة 2024 أن ببناية مرقد الذكور، dortoir des garçons، تشققات تفاقمت بعد نزول أمطار غزيرة في العام الماضي..
وكل هذا، والمندوبية لم تتدخل..
ليُطرح علينا التساؤل التالي :
لماذا سكتت المندوبية على الرسالتين المذكورتين اللتين بعث بهما إليها مدير المعهد ؟..
الجواب حتما عند المندوبية..
وعندنا نحن بعض الجانب منه من الناحية الإدارية العملية…
وقبل ان نقدم ما نعلمه إداريا قي هذا الغرض، علينا بالتذكير بما جاري به العمل في وزارات مشابهة لوزارة التربية،
مثال ذلك وزارة الصحة العمومية التي لها في كل ولاية عديد المستشفيات بين جامعي وجهوي ومحلي تابعة لها مراكز صحة اساسية، ما كانت تُسمى سابقا مستوصفات بمستوياتها الأربعة..
وكل هذه الهياكل ذات بنايات كثيرة تتطلب سنويا اموالا طائلة للتعهّد بالصيانة..
ميزانيات كل هذه المستشفيات لا نجد بها اعتمادات كافية لصيانتها سنويا كما يجب..
فماذا تراهم يصنع المديرون على راس كل هذه المؤسسات ؟..
يختارون مبدأ الاولوية في صرف الاعتمادات عليها بالنظر لمدى خطورة التضرّر في كل بناية..
أما في وزارة التربية فالأمر معقّد اكثر، لأنه ليست لكل مؤسسة تربوية ميزانيتها المعتبرة في قيمة ماليتها..
ففي التعليم الإبتدائي ليست هناك ميزانية خاصة بكل مدرسة..
لكن في مؤسسات الإعدادي والثانوي هناك بعض الاعتمادات القليلة جدا في مقاديرها المالية التي تخصصها وزارة التربية لكل مؤسسة..
إلا انها اعتمادات لا تفي بحاجة كل تدخل مطلوب في الصيانة..
هي فقط اعتمادات للتدخّل بالصيانة الصغيرة جدا كإصلاح باب أو شباك أو حنفية أو دورة مياه صغيرة…

وعند وجود اضرار جسيمة ببعض جدران المباني وأسوارها، نجد المديرين يراسلون بشأنها المندوبيات الجهوية وهذه الأخيرة توفد مهندسيها وفنييها على عين المكان، وإذا ما اتضح أن الأمر يتطلب أشغال بناء بمائة مليون واكثر تتم مراسلة للوزارة في للغرض..
نتوقف عند هذا الحد بشأن حادثة معهد المزّونه من ولاية سيدي بوزيد ونختم فنقول :
– هل تلقت المندوبية الجهوية حقا مراسلة معهد المزّونه في سنة 2022 ؟..
– هل قامت المندوبية آنذاك بالمتابعة العاجلة للموضوع وأرسلت فنييها لمعاينة السور ؟..
– بعد ذلك هل كاتبت المندوبية وزارة التربية في الغرض ؟..