متابعة الصحفي و الإعلامي منصف كريمي
يعيش المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”بقرطاج في الفترة الاخيرة على ايقاع عدد من الانشطة ذات الطابع الفكري من خلال عدد من الندوات وسلسلة حوارات ثقافية واحتفاء بعدد من الاصدارات لتتوّج هذه الانشطة بتنظيمه يوم 20 أفريل الجاري يوما تكريميّا للمجمعي والشاعر المنصف الوهايبي بمناسبة فوزه بجائزة الشارقة لنقد الشعر وجائزة الشيخ زايد للكتاب وفي إطار الأنشطة المشتركة التي تنظّمها الأقسام العلميّة للمجمع على امتداد الموسم الأكاديمي بالتعاون مع الهياكل والمؤسّسات المماثلة، والأكاديميات، والمعاهد ينظّم قسم الدّراسات الإسلاميّة بالمجمع بالاشتراك مع قسم أصول الدين بالمعهد العالي للحضارة الإسلاميّة والمعهد العالي للعلوم الإسلاميّة بالقيروان، وجامعة” أبو القاسم سعد اللّه” وقسم التاريخ بجامعة” عبد الحميد مهري”بقسنطينة ندوة دوليّة بعنوان “مركزيّة القيروان في ترسيم الأشعريّة بالمغرب الإسلامي”وذلك يومي 23 و25 أفريل الجاري في مقرّ جامعة الزيتونة جدير بالذكر أنه تتالى تنظيم سلسلة من الأنشطة الفكريّة المختلفة في المجمع التونسي”بيت الحكمة”ففي سياق تنظيمه للأنشطة الفكريّة الأسبوعيّة بتنظيم لقاءات حواريّة حول المؤلّفات العلميّة والفكريّة والإبداعيّة المختلفة استضاف مؤخرا قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالمجمع الكاتبة فوزية الحشايشي تريمش لتقديم ومناقشة ما ورد في كتابها Humanisme moderne. Nouvelle orientation pour un avenir meilleur الصادر سنة 2022 حيث افتتح اللقاء رئيس القسم الدكتور عبد الحميد هنيّة بتقديم موجز حول مسيرة الكاتبة بوصفها باحثة متخصّصة في اللغة والحضارة الالمانيّة،
ثمّ تولى الأكاديمي محمّد محجوب تقديم محتويات الأثر الجامعة في نظره بين المقاربات الفلسفيّة، والبعد التاريخي، والتحليل السوسيولوجي لأنّ المؤلّفة تناولت في مؤلّفها مرجعيات ومسارات الحداثة في السياقات التاريخيّة، وفي الثقافات المختلفة، منطلقة من مدارس فكريّة، ومن تجارب متنوّعة اقتناعا منها بأنّ “الإنسانيّة هاجس الإنسان بقطع النظر على ثقافته وعقيدته وحضارته” لأنّها “تأسّست على مشروع ثقافي منفتح” ضد قيم الانغلاق،كما أبرز الدكتور محمّد محجوب الطابع الإشكالي للعالم الحديث قائلا في هذا الصدد “الراهن إشكالي بالضرورة”، مبيّنا راهنيّة محتوى الكتاب نظرا إلى ما يشهده العالم من أحداث تؤكّد مدى حاجة الإنسانيّة إلى المصالحة مع الفلسفات والقيم التنويريّة، تلك التي اختزلتها الكاتبة في قيم “التعايش المشترك” و”الضيافة” و”الحوار بين الثقافات” و”الصداقة” مستلهمة هذه القيم من المشاريع الفلسفيّة التنويريّة مثل هيغلوكانط وجميع الأطروحات الفكريّة الكونيّة المسلّمة بمقولة ” الإنسان في الفكر الإنساني هو الغاية في حدّ ذاتها” شريطة ألاّ تبقى هذه المقولات سجينة الشعار نتيجة لهواجس الهيمنة ومنطق البراغماتيّة دون سلطة الإيتيقا. ونشير ايضا الى ان قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون وفي اطار اهتمامه على امتداد هذا الموسم الأكاديمي بتحديات ورهانات المسائل التشريعيّة استضاف عديد الباحثين والأكاديميين من جنسيات مختلفة لتقديم مقاربات متنوّعة حول قضايا التشريع حيث نظّم مؤخرا لقاء مع الأكاديمي المغربي عزّ العرب لحكيم البناني لتقديم محاضرة بعنوان “قيم الطهارة والنجاسة ومعيار التنظيم القانوني للآداب العامة: نماذج فلسفيّة أنجلوسكسونيّة وأمثلة تطبيقيّة من المغرب”وقد افتتح اللقاء رئيس القسم الأستاذ احميدة النيفر مذكّرا بطبيعة الفعل التشريعي المتحرّكة نتيجة للمؤثّرات المتعدّدة، وانطلق في هذا السياق من مستجدات العولمة التي أملت تحوّلات في المجالات التشريعيّة وقدّم مسيرة المحاضر المجمعي محمد بوهلال، موضّحا تعدّد اهتمامات الباحث وترجماته لأعمال فكريّة باللغات الألمانيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، فهو أستاذ فلسفة بالجامعات المغربيّة، وصاحب مؤلّفات ومقالات منشورة في دوريات ومجلات عالميّة، ووصفه برحّالة العلم والفلسفة نظرا إلى حجم رحلاته المعرفيّة،وتناول الأكاديمي اللبناني في مطلع محاضرته مقاصد الآداب العامة، تلك التي ترتبط بالضغوط الاجتماعيّة وبالأنساق القيمية وبالتشريعات المتصلة بالأطر السائدة،كما أثارت فعاليات اللقاء فاعليّة الحركات الاجتماعيّة في المجال التشريعي لأنّها “تضفي الشرعيّة على السلوك الطبيعي” وفقا لعبارة الأستاذ عزّ العرب لحكيم البناني، وتقترن هذه الآداب العامّة في نظره بما هو عقلاني وغير عقلاني في آن لأنّها مرتبطة بعالم النزوات والأهواء. وأثارت المحاضرة سجالا حول منزلة القانون في إلزام المرء باحترام التدابير الاجتماعيّة ممّا يفسّر الطابع الإشكالي لعلاقة تلك الضوابط والتشريعات بقضايا الحريات ومفهوم الذات المريدة،وفي هذا الصدد شدّد المحاضر على أنّ غاية القانون تتمثّل في سعي التشريع إلى “إلزام الأفراد باحترام القاعدة القانونيّة التي تحكمها الأنساق الاجتماعيّة”، منسجما في ذلك مع الفكرة الأساسيّة لفلسفات التعاقد الاجتماعي المؤكّدة على وجاهة الحريات التعاقديّة والإرادة العامّة، ويظلّ الإشكال مرتبطا ارتباطا عضويا بخصوصيّة إكراهات الحاضنة الاجتماعيّة، إن كانت فعلا تائقة إلى تعاقد اجتماعيّ يؤمن بالمواطنة، أم هي مراهنة على ترويض الذات عبر تدابير براغماتيّة. تجدر الاشارة الى ان المجمع التونسي “بيت الحكمة” أعلن عن فتح باب الترشّح لجائزة الباحث الشاب في دورتها الرابعة حيث تعدّ هذه الجائزة الباحث الشاب التي يسندها المجمع من أبرز الأنشطة العلميّة التي ينتظرها الكثير من المهتمين بالبحث، لما تضطلع به الجائزة من تحفيز وتشجيع للكفاءات العلميّة والإبداعيّة الشبابيّة وهي جائزة مخصصة للبحث في ميادين العلوم الرياضيّة والفيزيائيّة والطبيعيّة، والعلوم الإنسانيّة والاجتماعية، والآداب، والفنون والدراسات الإسلاميّة.