الرئيسية / قضايا و محاكم / من المسؤول عن وفاة سجين فاقد لمداركه العقلية؟

من المسؤول عن وفاة سجين فاقد لمداركه العقلية؟

بالمرصاد نيوز – تونس

 

 

بقلم صحفية الموقع شيماء إسماعيلي

أسالت قضية السجين الذي توفي مساء يوم 5 أكتوبر 2025 داخل إحدى السجون التونسية الكثير من الحبر، خاصة بعد أن كشف محاميه عن معطيات صادمة تتعلق بسير قضيته وظروف احتجازه، والتي تطرح أكثر من سؤال حول مدى احترام الحقوق الأساسية للمتهمين، لا سيما منهم من يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية مزمنة.

حسب ما ورد في تقارير محامي السجين المتوفى، فإن التهمة التي وُجهت إليه تتعلق بترويج المخدرات، وهي تهمة ثقيلة تتطلب في حد ذاتها تحقيقًا معمقًا وضمانًا لكامل حقوق الدفاع. غير أن ما يزيد من تعقيد القضية هو أن المعني بالأمر، ووفقًا لملف طبي واضح، كان يعاني من اضطرابات عقلية حادة وكان يتردد على مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية منذ حوالي 15 سنة.

ورغم هذه المعطيات، فقد تم إيداعه بالسجن دون عرض حالته على لجنة طبية مختصة، ودون إدراج بطاقة الإعاقة في ملفه القضائي، وهو ما يعتبر خرقًا صارخًا لأبسط قواعد العدالة والإنسانية. الأسوأ من ذلك، أنه وُضع في زنزانة انفرادية وهو مكبّل بالسلاسل، في مشهد يذكرنا بما يفترض أنه طُوي من ممارسات قمعية وانتهاكات جسيمة لكرامة الإنسان.

ورغم إلحاح محاميه المتكرر على ضرورة نقله إلى مستشفى الرازي نظرًا لتدهور حالته الصحية والنفسية، إلا أن طلباته قوبلت بالتجاهل التام من السلطات السجنية، ما أدى إلى مزيد من التدهور في وضعية السجين، إلى أن وافته المنية في مساء يوم 5 أكتوبر عند الساعة الثامنة.

وبعد سلسلة من الإجراءات القانونية والضغوطات، وافق قاضي التحقيق أخيرًا على النظر في ملفه الطبي وإحالته على الأطباء المختصين، ولكن هذه الموافقة جاءت متأخرة جدًا، حيث سبقتها فصول من الإهمال والتعنت، انتهت بوفاة السجين داخل السجن، قبل أن يُعرض حتى على التشخيص اللازم.

إن هذه القضية تفتح الباب على مصراعيه لمساءلة حقيقية: من المسؤول عن وفاة هذا السجين؟ أين كانت المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان؟ أين كان دور الرقابة القضائية والإدارية؟ وكيف يمكن أن تستمر مثل هذه الممارسات في دولة تدعي احترامها لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان؟

إن تكرار مثل هذه الحوادث يمثل تهديدًا خطيرًا لمصداقية المنظومة القضائية والسجنية، ويدعونا إلى دق ناقوس الخطر. فلا بد من التأكيد الصارم أن مثل هذه الممارسات يجب ألا تتكرر أبدًا. وعلى كل الأطراف المعنية بقضايا من هذا النوع أن تلتزم التزامًا كاملًا بحقوق المتهم، بما في ذلك التدقيق في كل ما يثبت براءته أو وضعه الصحي، وأخذ كل المؤيدات بعين الاعتبار دون إهمال أو تسويف.

ففي دولة قانون، لا يجوز أن تُلفّق التهم، ولا أن تُهدر الحقوق، ولا أن يُعامل المرضى كالمجرمين. هذه مسؤولية الجميع، ومحاسبة المتسببين في هذه الوفاة أصبحت واجبًا لا مناص منه، حتى لا يتحول الصمت إلى تواطؤ، والإهمال إلى سياسة ممنهجة.

عن Baha

شاهد أيضاً

سطو على فرع بنكي بمنعرج” لحلايبية ” ببومهل في وضح النهار والمشتبه فيه يلوذ بالفرار .

بالمرصاد نيوز – مكتب بن عروس   تغطية صحفية الموقع شيماء اسماعيلي شهدت منطقة الحلايبية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *