عصر التفاهة: بين تسليع المحتوى السطحي وتهميش الفكر العميق
Baha
نوفمبر 2, 2024
مجتمع
103 زيارة
مكتب صفاقس
بقلم الاستاذ جمال الشرفي
في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة “عصر التفاهة” ملمحا متنامياً في المشهد الإعلامي والثقافي، حيث يتم الاحتفاء بشخصيات تفتقر إلى العمق الفكري، وتقديمها على أنها رموز وقدوات للأجيال الجديدة. في المقابل، تُهمّش الشخصيات ذات القيمة الفكرية والاجتماعية، وتقل مساحة التقدير والإشادة بها، سواء في الإعلام التقليدي أو على المنصات الرقمية. وتثير هذه الظاهرة تساؤلات حول مدى عشوائيتها، ومدى ارتباطها بتوجهات محددة قد تكون ممنهجة لأغراض اجتماعية أو اقتصادية.
عند تحليل هذا الوضع، يتضح أن هناك عدة عوامل أساسية تدفع نحو بروز هذا النموذج الثقافي. أحدها هو سيطرة النموذج الاقتصادي القائم على الربح السريع، الذي يدفع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي إلى تفضيل المحتوى “الجذاب” والمثير للجدل بغض النظر عن جودته. ويقوم هذا النموذج على تعزيز المحتوى السطحي الذي يُنتج تفاعلاً فورياً كبيراً، حيث تفضل الخوارزميات الرقمية الانتشار السريع على حساب المحتوى العميق أو الذي يتطلب تفكيراً نقدياً. ونتيجة لذلك، يتصدر “المؤثرون” من أصحاب المحتوى الترفيهي، بغض النظر عن نوعيته، في حين يُقصى أصحاب الفكر أو المحتوى الجاد من دائرة الضوء.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هذه الظاهرة انعكاساً لتحولات اجتماعية وثقافية، حيث تغلب الثقافة الاستهلاكية على الثقافة التفكرية، فيميل الناس إلى استهلاك المحتوى الترفيهي كوسيلة للهروب من الواقع أو التعبير عن الذات. ومع هذا، لا يمكن إغفال احتمال أن تكون هذه الظاهرة جزءاً من “مشروع” مجتمعي ممنهج يعمل على تكريس ثقافة سطحية بغرض تحويل الانتباه عن القضايا المهمة. ومن هذا المنظور، قد تُستخدم التفاهة كأداة للتحكم في الرأي العام، وتوجيه الجماهير نحو أولويات قد تكون متعمدة، مما يجعل هذه الظاهرة تتجاوز كونها مجرد صدفة عابرة.