مكتب صفاقس
بقلم الاستاذ محمد جمال الشرفي
يعد ملف المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء من أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد السياسي والاقتصادي الحالي، إذ تتداخل فيه العوامل السياسية، الاقتصادية، والجيوسياسية، إلى جانب الأبعاد الإنسانية. فما هي خفايا هذا الملف؟ ومن الأطراف المستفيدة من عمليات الترحيل والتوطين؟ ولماذا تحظى هذه القضية باهتمام كبير من قبل الاتحاد الأوروبي، خاصة من قبل رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني؟
من يقف وراء ترحيلهم من أوطانهم؟
تعاني دول إفريقيا جنوب الصحراء من أزمات معقدة تدفع الملايين إلى النزوح والبحث عن حياة أفضل. وتتنوع أسباب هذا النزوح ما بين:
1. الصراعات والحروب الأهلية: مثل النزاعات في مالي، السودان، وإفريقيا الوسطى، والتي تجعل الحياة مستحيلة في بعض المناطق.
2. الفقر والتغيرات المناخية: الجفاف والتصحر دفعا آلاف المزارعين إلى ترك أراضيهم، ما أدى إلى موجات نزوح نحو الشمال.
3. الأنظمة الاستبدادية: بعض الحكومات الإفريقية المتسلطة تساهم في تفاقم الأزمة عبر القمع وسوء الإدارة.
4. شبكات التهريب والاتجار بالبشر: هناك منظمات إجرامية تدير شبكات تهريب تستفيد من يأس المهاجرين، مما يجعل من الهجرة تجارة مربحة لبعض الجهات.
من المستفيد من ترحيلهم من أراضيهم؟
بخلاف الأسباب الظاهرة، هناك جهات تستفيد من استمرار أزمة الهجرة:
– الاتحاد الأوروبي: يسعى إلى التحكم في تدفقات الهجرة من خلال إبقاء المهاجرين في شمال إفريقيا بدلاً من وصولهم إلى أوروبا.
– الشركات متعددة الجنسيات: تستغل العمالة الرخيصة التي يوفرها المهاجرون في القطاعات غير الرسمية، مما يخلق اقتصادًا موازيًا.
– أنظمة بعض الدول الإفريقية: تستفيد من المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة، حتى وإن لم يتم استخدامها بشكل فعال.
لماذا يختار الاتحاد الأوروبي شمال إفريقيا لتوطينهم؟
تحوّل شمال إفريقيا إلى منطقة عازلة بين أوروبا والمهاجرين القادمين من الجنوب، ويعود ذلك إلى عدة عوامل:
– الموقع الجغرافي: دول شمال إفريقيا تشكل محطة طبيعية لعبور المهاجرين نحو أوروبا، ما يجعلها الخيار الأمثل لاحتوائهم.
– الاتفاقيات السياسية: عقدت أوروبا صفقات مع المغرب، تونس، وليبيا لاستيعاب المهاجرين مقابل مساعدات مالية أو دعم سياسي.
– خفض الضغط الداخلي: بعض الحكومات الأوروبية تواجه معارضة شعبية متزايدة ضد تدفق المهاجرين، مما يدفعها إلى البحث عن حلول خارج أراضيها.
من المستفيد من استيطانهم في شمال إفريقيا؟
يخلق وجود المهاجرين في شمال إفريقيا واقعًا جديدًا يؤثر على عدة أطراف:
– الاقتصاد غير الرسمي: يعتمد الكثير من المهاجرين على الأعمال اليدوية والخدمات، ما يعزز الاقتصاد الموازي في بعض الدول.
– القوى السياسية: تستخدم بعض الأنظمة هذه القضية كورقة ضغط ضد الاتحاد الأوروبي للحصول على امتيازات مالية وسياسية.

– الجهات الإجرامية: تستفيد العصابات المنظمة من هذا الوضع عبر شبكات الاتجار بالبشر والاستغلال غير القانوني للمهاجرين.
هل هناك خفايا غير معلنة في هذا الملف؟
هناك تساؤلات مشروعة حول الأبعاد غير المعلنة لهذا الملف، مثل:
– هل تُستخدم قضية الهجرة كأداة للضغط السياسي بين أوروبا وإفريقيا؟
– هل هناك خطط أوروبية بعيدة المدى لتغيير التركيبة الديمغرافية في شمال إفريقيا؟
– ما الدور الحقيقي للمنظمات الدولية في هذه القضية؟ هل هي فاعلة أم مجرد غطاء سياسي؟
لماذا تهتم جورجيا ميلوني بهذا الملف؟
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني جعلت من ملف الهجرة أحد أهم محاور سياستها، وذلك للأسباب التالية:
– حماية الأمن القومي الإيطالي: تعتبر تدفق المهاجرين تهديدًا لأمن إيطاليا، وتسعى إلى تقليصه بأي وسيلة.
– الضغط الداخلي: تواجه ميلوني ضغوطًا من اليمين المتطرف في إيطاليا للحد من الهجرة غير الشرعية.
– الاتفاقيات مع تونس وليبيا: تريد ميلوني ضمان تنفيذ هذه الاتفاقيات لمنع وصول المهاجرين إلى السواحل الإيطالية.
خاتمة
ملف الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء ليس مجرد قضية إنسانية، بل هو ساحة صراع بين القوى السياسية والاقتصادية العالمية. وبينما تظل معاناة المهاجرين مستمرة، يبدو أن الحلول المطروحة حاليًا لا تزال بعيدة عن معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.