الرئيسية / وطنية / في عيد الأم كلمة عن الأم … في مجتمع مزدحم بالمعاناة و قد ضاعت فيه كثير القيم

في عيد الأم كلمة عن الأم … في مجتمع مزدحم بالمعاناة و قد ضاعت فيه كثير القيم

 

بقلم الإعلامي حبيب العربي

لأقلها منذ البداية والمقدّمة..

ليتها أمي ما تزال غلى قيد الحياة حتى أزورها في هذا اليوم.. أقترب منها.. أنظر في وجهها الذي تغطيه النجاعيد.. أمسكها من يدها.. أقبّل كفّ يدها.. أضعه على خدّي لأتحسّس مدى الدفء الذي فيه برغم كثرة التجاعيد عايه.. ثم احتضنها.. وأرسم قبلة حارة عل جبينها الوضٍاء برغم تأثيرات السنين عليه..

ليتها مازالت على قيد الحياة تعمّر بيتها.. وكل البيوت..

وليت كل الأمهات لا تموت..

ليتها اليوم في بيتها.. أو في بيتي..

مع زوجتي التي تحبها ومع ولدي وبنتي..

ليتها الآن في حالة صحية تسمح لها بالوقوف في المطبخ.. على القِدر.. تعد لنا الخبز العربي.. المصحوحه والملاوي.. وتطبخ لنا الشكشوكه والسمك الأزرق المَقلي الذي هو ألذ سمك تطهيه فنلتهمه مع “أبنّ” شكشوكة تعدّها حُرات ذلك الزمن الجميل..

ليتها تعيش بيننا الآن فاتحة باب منزلها لي ولأحفادها فتستقبلنا بالتهاليل والإبتسامة.. كما كانت دائما طيّبة القلب مع أبنائها ومع الأحفاد بكبارهم وبمن هم رمز المستقبل بأجمل علامة..

هي كانت دائما تخفي عني وعن الزوجة الكريمة، الكَنّة الجميلة، كل ما تجمعه لأبنائي.. لتستقبلهم به عندما يزورونها..

هدايا وعطايا وأموال قليلة المبلغ لكنّها عظيمة المقصد..

ليتها الآن في بيتها فنزورها جميعا لتطهي لنا الشاي بعد الأكل كالعادة، وأي شاي هي تحسن طهيه وتمدّنا به في الكأس “الطرابلسي”..

ليتها الآن ماتزال على قيد الحياة فأراها حين تنتهي زيارتنا أليها..

أراها تخرج إلى النهج.. أين تربض سيارتي. تسبقنا أليها..

وأراها تحدث السيارة بصوت خافت وتقول :

“يا بِيضه بنيّتي.. أوصيك خيرا بابني وزوجته وأطفاله.. حافظي على صحّتهم وسلامتهم جميعا.. إياك أن ترتكبي بهم حادث.. فهم أغلى من عندي.. وإني لأرجو من الله ان يأخذ من عمري وأن يطيل أعمارهم.. كما أنني اطلب من المولى أن يميتني قبل أن يشوي كبدي في احدهم”..

ليتها ما تزال على قيد الحباة.. بيننا..

نثصدها بباقة الورد “وبباكو الغلّه” فتفرح بنا فوق طاقتها وتفرح بما جبئناها به كما لو أننا أهديناها كنوز العالم كلّه..

ليتها تقف أمامي الآن فأراها محتضنة ابنائي.. هذا تقبّله.. وتلك تمدّها بحلوى.. وثالث تهديه الشوكولاطه التي كانت قد خبأتها عن الجميع قبل أن نأتي إليها..

ليتها حاضرة معنا في جلسة حول كانون وبرّاد الشاي الأحمر..

أدخِل يدي لجيبي.. أفتح حافظة نقودي.. وأمدّها بمبلغ مالي زهيد جدا برغم ارتفاع قيمته في نظري.. فترمقني بنظرة فيها الكثير من عزّة النفس ومن كرم الأم تجاه ابنها وأولاده وتقول :

“لا يا ولدي.. “ربّي يكثّرهم عليك”.. أنا لا أحتاج هذا المال بقدر حاجتك أنت إليه لتصرف على بيتك وأبنائك..

اقول لها :

“يا امّي حالي المادي على ما يّرام.. وإني لأعطيك هذا المبلغ كي تقتني به من العطّار بعض “ياغرط” او علبة “نفّه”..

تقول :

“من فضل الله انا عندي ما يكفيني لأعيش.. فلتترك مالك لتنفقه على احتياجات ابنائك.. الدنيا ارتغعت فيها الأسوام وأنت تشقى بالنهار والليل.. وسعدك وسعد أسرتك “على قُدّام”..

أخجل من نفسي.. أعيد المال إلى جيبي.. وأطلب من رب العالمين أن يقدّرني على إسعادها ولو بالقدر القليل حتى لا ينقطع دعاؤها بالخيرالعميم عليّ وعلى الأبناء.. وحتى تكون راضية علينا جميعا، كما عهدي بها صاحبة القلب الكبير..

ليتها.. وليتها.. وليتها..

ولكنها ما عادت بيننا.. ما عدت القاها في حياتي ومحيطي ابدا…

هي رحلت.. أخذها ربنا إلى جواره وارجو أن تكون في جنّات النعيم.. بجوار الرسل والأنبياء الأكرمين..

هذا انا ما أقوله اليوم عن أمّي التي فارقتنا منذ نحو عشرين عام..

وصورتها وهي متربّعة فوق “الكليم” الملوّن لا تفارق عينيّ..

أمي اتمنى ان اراك ولو في المنام لحظة..

إنني اكتب إليك وعنك ودمع الحنين ينهمر من مقلتيّ شوقا إليك..

فهل تسمعينني وأنت ذات الأذن السمّيعة والذوّاقة ؟.. ..

هل تقرئينني وانت التي لم ندخلي المدرسة قط لكنك كنت اكثر من يحرص على حفظنا الدروس اكثر من اي كان ؟..

رضاكِ يا امّي.. ورضاء ربّنا عليك.. حتى نلتقي بك في الجنّة خالدين بإذنه تعالى…

\

عن Baha

شاهد أيضاً

سوسة..تكريم ثلة من الولاة بمناسبة عيد الجمهورية.

متابعة الإعلامي بولبابة العيدودي بمناسبة الاحتفال بالدكرى السابعة والستين لاعلان الجمهورية يوم  25 جويلية 1957 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *