الرئيسية / عالمية / البحر الأبيض المتوسط في عين العاصفة: صراع الكبار وتداعياته على جنوب المتوسط بقلم: محمد جمال الشرفي.

البحر الأبيض المتوسط في عين العاصفة: صراع الكبار وتداعياته على جنوب المتوسط بقلم: محمد جمال الشرفي.

مكتب صفاقس

بفلم الأستاذجمال الشرفي

مقدمة

في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية عالميًا، يشهد العالم مرحلة من التحولات غير المسبوقة، تتجسد في انقلابات اقتصادية، نزاعات تجارية، وصراعات على النفوذ الاستراتيجي. وتتجلى هذه التحولات بوضوح في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تحولت إلى مسرح صراع دولي بين القوى الكبرى، وسط منافسة شرسة على النفوذ والثروات والمواقع الجيوسياسية.

سياسات ترامب الاقتصادية وتأثيرها العالمي

مع صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، انتهجت الولايات المتحدة سياسة “أمريكا أولًا”، والتي تجلت في نزعة حمائية اقتصادية واضحة. فرض الرسوم الجمركية على الصين، إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، والضغط على الحلفاء في الناتو والاتحاد الأوروبي، كلها شكلت أدوات في يد واشنطن لإعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي بما يخدم المصالح الأمريكية أولًا.

هذه السياسات أدت إلى توتير العلاقات مع الصين، ودفع الأخيرة نحو بناء تحالفات اقتصادية بديلة، أبرزها مبادرة “الحزام والطريق”، التي تشمل أيضًا دولًا في البحر المتوسط، مما جعل المنطقة في قلب الصراع الاقتصادي العالمي.

حرب اقتصادية باردة جديدة: أمريكا، الصين، وروسيا

بات من الواضح أن العالم يشهد ما يمكن تسميته بـ”حرب باردة اقتصادية” بين واشنطن وبكين، بينما تلعب موسكو دورًا محوريًا في إعادة تشكيل موازين القوى. الصين تسعى لتوسيع نفوذها عبر الاستثمارات والبنى التحتية، بينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها الاقتصادي، في حين تلجأ روسيا إلى أدوات الطاقة والدبلوماسية لتثبيت مواقعها.

تداعيات الصراع على دول جنوب المتوسط

دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، خصوصًا في شمال إفريقيا، تقف في موقف حساس أمام هذه التحولات. فمن جهة، توفر هذه الدول فرصًا استثمارية هائلة نظرًا لمواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي. ومن جهة أخرى، تواجه هذه الدول ضغوطًا اقتصادية وتحديات سياسية داخلية تجعلها عرضة للاستغلال من القوى الكبرى.

تونس، الجزائر، ليبيا، ومصر، على سبيل المثال، تجد نفسها في مرمى مصالح متشابكة بين واشنطن، بكين، وموسكو. وتزداد الأمور تعقيدًا مع غياب استراتيجيات إقليمية موحدة من قبل دول الجنوب للتعامل مع هذه التحولات.

صراع المواقع الاستراتيجية: لعبة النفوذ في المتوسط

تتنافس القوى الكبرى على المواقع الاستراتيجية في البحر المتوسط، من الموانئ الليبية إلى قواعد عسكرية في الشرق، وطرق الطاقة في المتوسط الشرقي. تركيا، روسيا، والولايات المتحدة كلها تسعى لبسط النفوذ في نقاط معينة تخدم مصالحها العسكرية والاقتصادية.

وهنا يصبح البحر المتوسط ليس فقط ممرًا ملاحيًا بل ساحة اشتباك سياسي وعسكري، حيث تلعب الجزر والقواعد البحرية دورًا يفوق في تأثيره ما كانت عليه في القرن العشرين.

مطامع الدول الكبرى في المتوسط

لا تقتصر مطامع الدول الكبرى في المتوسط على السيطرة الجغرافية فقط، بل تشمل كذلك:

الطاقة: خصوصًا الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.

الموانئ والتجارة: التي تربط بين أوروبا، إفريقيا، وآسيا.

التحكم بالهجرة: باعتبار المتوسط بوابة اللاجئين نحو أوروبا.

النفوذ العسكري: من خلال إقامة قواعد أو تحالفات أمنية.

تحول هذه المطامع إلى أدوات استغلال يظهر في الشروط المجحفة للاتفاقيات الاقتصادية، واستخدام المساعدات كأداة ضغط سياسي، واستثمار الانقسامات السياسية الداخلية في دول الجنوب لتعزيز النفوذ.

خاتمة

إن منطقة البحر الأبيض المتوسط، وبالأخص جنوبه، تقف على مفترق طرق بين الفرص والتهديدات. وفي ظل تصاعد التنافس الدولي، تصبح الحاجة ملحة لدول المنطقة لإعادة التفكير في سياساتها الخارجية والاقتصادية، وبناء تحالفات إقليمية تُمكنها من حماية سيادتها ومصالح شعوبها. فما يحدث اليوم هو إعادة رسم لخريطة النفوذ العالمي، ومن لا يحسن التموضع سيجد نفسه تابعًا بدل أن يكون شريكًا.

عن Baha

شاهد أيضاً

الجزائر تحتضن فعاليات قمة الابتكار العقاري في افريقيا .

السيد محسن الشعباني مكتب تونس متابعة الصحفية سامية الزواغي السيد محسن الشعباني رئيس التجمع المهني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *