الرئيسية / جهات و حوادث مرور / تحليل شامل لمسيرة تونس من الاستقلال إلى 2024: حقبة من التحديات والتحولات.

تحليل شامل لمسيرة تونس من الاستقلال إلى 2024: حقبة من التحديات والتحولات.

مكتب صفاقس

بقلم الأستاذ جمال الشرفي

للقيام بالتغطية الشاملة لمسيرة تونس من 1956 إلى 2024، قمنا بتقسيمها   وتحليبها إلى فترات زمنية محددة: مرحلة الاستقلال وبناء الدولة (1956-1987)، مرحلة زين العابدين بن علي (1987-2011)، مرحلة ما بعد الثورة (2011-2019)، ثم فترة ما بعد 2019 حتى 2024. في كل مرحلة، سنتناول العوامل السياسية، الاقتصادية والاجتماعية مع توضيح الحقائق دون مدح أو تجميل، والتركيز على الحقائق بموضوعية ونقد لاذع حيثما دعت الحاجة.

1. مرحلة الاستقلال وبناء الدولة (1956-1987): عهد الحبيب بورقيبة

سياسيًا:

بعد الاستقلال في 1956، شهدت تونس تزايد النفوذ السياسي لشخص الحبيب بورقيبة، الذي أصبح أول رئيس للجمهورية التونسية بعد إعلانها في 1957. قاد بورقيبة سياسة تركز على بناء دولة حديثة عبر إضعاف الطبقة التقليدية ونخبة الاستقلال، والاعتماد على نخبة حديثة. اعتمد بورقيبة على سلطات شمولية، وألغى التعددية السياسية مما أدى إلى خلق دولة مركزية تعتمد على الحزب الواحد.

اقتصاديًا:

سعى بورقيبة إلى تحديث الاقتصاد من خلال إصلاحات تهدف إلى تقوية القطاع الصناعي، وتحديث الزراعة. رغم النجاح النسبي، إلا أن ضعف التخطيط في بعض الأحيان وغياب الكفاءة الإدارية أدى إلى مشكلات في التنمية الريفية وعدم توازن بين المدن الكبرى والأرياف. وبدأت الفجوات الاجتماعية في التوسع تدريجيًا.

اجتماعيًا:

اتخذ بورقيبة قرارات جريئة مثل قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر ثورة اجتماعية في العالم العربي حينها، حيث منع تعدد الزوجات وعزز حقوق المرأة. ورغم ذلك، ظلت التغيرات محدودة في الأرياف، وتفاقمت الفوارق الاجتماعية، مع بداية بروز الإحباط بين الشباب.

2. مرحلة زين العابدين بن علي (1987-2011): استقرار سطحي وفساد متفشي

سياسيًا:

وصل بن علي إلى الحكم بانقلاب طبي تحت غطاء “التحول المبارك”، حيث وعد بالديمقراطية والحرية، لكنه سرعان ما أنشأ نظامًا أمنيًا صارمًا. تم قمع الحريات المدنية، وفرض بن علي السيطرة المطلقة على كافة المؤسسات. أضعف النظام المؤسسات الدستورية وقمع المعارضة، مستفيدًا من المناخ الإقليمي والدولي للحفاظ على السلطة، وشهدت هذه المرحلة تضييقاً على كل صوت معارض.

اقتصاديًا:

ركزت الحكومة على تطوير البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، ما حقق نموًا اقتصاديًا نسبيًا، لكن تم التركيز على المدن الساحلية مع إهمال المناطق الداخلية. استفاد النظام من فورة اقتصادية في بعض الفترات، لكنه أغرق الاقتصاد في شبكات من الفساد والمحسوبية. أصبح ثراء العائلة الحاكمة وأنسبائها رمزًا للفساد، الذي عمّق فجوة الثراء والفقر.

اجتماعيًا:

بالرغم من تحقيق نسب نمو اقتصادي، إلا أن البطالة وخاصة بين الشباب والخريجين ظلت مرتفعة. سياسات بن علي دعمت الطبقة الوسطى إلى حد ما، لكنها عمّقت الفجوة الاجتماعية. قمع الحريات والرقابة الإعلامية خلق شعورًا بالخوف والسخط الشعبي، ما أضفى هشاشة على بنية المجتمع.

3. مرحلة ما بعد الثورة (2011-2019): الانتقال الديمقراطي والتحديات الاقتصادية

سياسيًا:

في 2011، أدت الثورة إلى إسقاط النظام وإحداث تحول سياسي كبير نحو الديمقراطية، واعتُمد دستور جديد في 2014. دخلت تونس مرحلة انتقالية كانت مفعمة بالأمل، لكنها شهدت أيضًا انقسامات سياسية عميقة. فشلت النخب السياسية في توحيد الجهود، وتوالت حكومات ضعيفة لم تقدر على مواجهة التحديات بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي.

اقتصاديًا:

رغم المساعدات والدعم الدولي، لم تستطع الحكومات المتعاقبة إحداث تحول اقتصادي ملموس. تزايدت البطالة، وعانت تونس من تراجع الدينار وارتفاع معدلات التضخم، مما أرهق الطبقة الوسطى وزاد من معدلات الفقر. تراكمت الديون، وأصبح الاقتصاد التونسي يعتمد بشكل أكبر على القروض الدولية في ظل غياب خطة اقتصادية واضحة.

اجتماعيًا:

ازدادت معدلات الاحتقان الاجتماعي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وظهرت حركات احتجاجية في العديد من المناطق خاصة الداخلية منها، التي بقيت تعاني التهميش. فشل الحكومات المتعاقبة في تلبية تطلعات الشباب وفشل النظام التعليمي والاقتصادي في خلق فرص عمل مما أدى إلى تفاقم الهجرة غير الشرعية.

4. مرحلة ما بعد 2019: عهد قيس سعيد  فترة ما بين (2019-2024)

سياسيًا:

اقتصاديًا:

واجهت تونس أزمة اقتصادية حادة سنوات قليلة بعد اندلاع الثورة ، مع ضعف في مصادر التمويل وتزايد في معدلات التضخم والبطالة. ازدادت الديون منذ تلك الفترة بشكل ملحوظ، وبات الاقتصاد التونسي على حافة الانهيار، مع تراجع ثقة المستثمرين الأجانب. أدت هذه الأوضاع إلى تدني مستويات المعيشة، مما زاد من معاناة التونسيين في الحياة اليومية.

اجتماعيًا:

شهدت هذه الفترة تزايد الاحتجاجات الاجتماعية، خاصة مع غياب الرؤية الواضحة وتفاقم الوضع المعيشي. ازدادت الهجرة بشكل ملحوظ خاصة لدى فئة الشباب، التي فقدت الثقة في مستقبل البلاد. أصبحت تونس تعاني من استنزاف الكفاءات البشرية، مما أثر سلباً على قدرة المجتمع على الاستجابة للتحديات.

خاتمة وتحليل شامل

على مدى العقود الماضية، كانت هناك مساعٍ حثيثة لتحقيق التنمية وبناء دولة حديثة، لكن أغلب هذه المساعي لم تحقق نتائج ملموسة   ورغم تحقيق بعض النجاحات  فإن التنمية كانت غير متوازنة مما عمّق الفوارق الاجتماعية.

تونس 2024 تعاني من أزمات عميقة ناتجة عن سنوات السوداء ، وضعف النظام الاقتصادي  ، وتآكل الثقة بين الشعب والنخب السياسية خاصة في العقد الأول من الثورة.

عن Baha

شاهد أيضاً

محمد ومنال… وجهان لقصّة نجاح المحل التجاري إسلام + عنوانها الصدق و الثقة.

المحل التجاري إسلام + لبيع منتوجات البحر    و الموالح و الأجبان و الفواكه الجافة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *